القوة الناعمة.. كيف تعيد السعودية رسم الخريطة الرياضية العالمية بكرة القدم؟
تشير محاولات السعودية للسيطرة على الأندية الأوروبية وشراء أفضل نجوم كرة القدم، إلى خطوة أولى فقط في مشروع طموح تحت رعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان- يهدف أن يكون للمملكة بحلول عام 2030 واحد من أفضل 10 دوريات في العالم.
كان من المفترض أن يفاضل روبن نيفيز بين العروض المقدمة من برشلونة وبايرن ميونيخ وأرسنال وتوتنهام هذا الصيف، ولكن اللاعب الذي يعتبر في سن 26 عاما أحد اللاعبين الأساسيين في الجيل البرتغالي الحالي، والذي لعب الموسم الماضي أكثر من 3000 دقيقة في أفضل دوري في العالم وسجل ستة أهداف، سيصعد قريبًا على متن الطائرة إلى الرياض، حيث سيكمل انتقاله من ولفرهامبتون الإنجليزي إلى الهلال، الفريق الأكثر نجاحًا في البلاد مقابل راتب خيالي، وهو في ذلك ليس بمفرده.
إقرأ ايضاً: النيابة العامة السعودية تعلن عن وظائف للرجال والنساءالإجازات الرسمية في سلطنة عمان 2025 : تعرف عليها مكافأة الانتقال 16% من الراتب الأساسي!! عبدالرحمن العيبان يكشف التفاصيلمتوسطة الأجل.. سندات دولية مطلقة من شركة أرامكو بقيمة تزيد عن 5 مليارات دولار
في الأسابيع الأخيرة شهد عالم كرة القدم ظاهرة جديدة، تمثلت في تدفق المزيد من لاعبي كرة القدم المشهورين إلى السعودية. تم تقديم كريم بنزيما في حفل مبهر في اتحاد جدة، الفريق الأكثر شعبية في المملكة، سبقه في ذلك نغولو كانتي أحد اللاعبين البارزين في أوروبا في العقد الماضي، وكلاهما بعقود بمئات الملايين من اليوروهات في الموسم الواحد.
لكن وصول النجوم الأوروبية ليس سوى الخطوة الأولى في مشروع سعودي طموح عبر عن نفسه بعاصفة هذا الصيف ومقدر له أن يغير عالم كرة القدم كما نعرفه اليوم.
لكن ماذا يقول برنامج الكرة السعودية حقا؟ وماذا يقف خلفه؟ ولماذا تكون قدرته على النجاح أكبر بكثير من المشاريع الكبيرة الأخرى التي حدثت في مراكز مختلفة في عالم كرة القدم؟
رونالدو مجرد اختبار
استيقظ عالم كرة القدم الشهر الماضي واكتشف أنه، باستثناء دول غرب أوروبا، نشأ مركز جديد آخر له، في الشرق الأوسط، يحاول أن يصبح مركزا هاما للعبة.
بعد أكثر من عقد من جلوس السعوديين ومشاهدتهم قطر والإمارات يتحركان في عالم كرة القدم بشراء باريس سان جيرمان ومانشستر سيتي واستضافة كأس العالم، وبعد أن اتخذوا هم أنفسهم خطوة أولى مهمة في الاتجاه مع شراء نيوكاسل يونايتد العام الماضي، اصبحت الرياض مستعدة الآن للخطوة التالية في الخطة - تعزيز قوة السعودية وتأثيرها في عالم كرة القدم، جزئياً للتحضير والاستعداد لاستضافة كأس العالم في المستقبل، كل هذا هو جزء من رؤية أوسع لأقوى رجل في البلاد، ولي العهد محمد بن سلمان.
وقع كريستيانو رونالدو مع النصر مقابل نصف مليار يورو لمدة عامين ونصف. ومنذ انضمامه زاد عدد المتفرجين في مباريات الفريق بعشرات بالمائة.
رأى السعوديون أن ذلك أمر جيد، وتوصلوا إلى استنتاجات وانطلقوا. في نهاية الموسم في 5 يونيو/حزيران الجاري، أعلنت وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن خطة ضخمة للاستثمار في كرة القدم المحلية.جاء ذلك في رسالة هزت عالم كرة القدم. وجاء في نص الإعلان: "قرر ولي العهد مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية، بعد اكتمال الإجراءات التنفيذية للمرحلة الأولى، تحقيقًا لمستهدفات رؤية السعودية 2030 في القطاع الرياضي، الهادفة إلى بناء قطاع رياضي فعال، من خلال تحفيز القطاع الخاص وتمكينه للمساهمة في تنمية القطاع الرياضي، بما يحقق التميز المنشود للمنتخبات الوطنية والأندية الرياضية والممارسين على الأصعدة كافة".
كجزء من البرنامج، سوف يستثمر صندوق الاستثمارات العامة الذي يمتلك أيضًا نيوكاسل يونايتد من الدوري الإنجليزي الممتاز، مليارات اليوروهات (يقال إنها حوالي 20 مليارا)، في الدوري السعودي للمحترفين، في نفس الوقت ولأول مرة في تاريخ المملكة وبطريقة فريدة من نوعها في العالم العربي، ستخضع الأندية لخصخصة جزئية- حيث ستكون هناك ملكية مشتركة من قبل الدولة لأول مرة، والأيدي الخاصة.
كجزء من الخصخصة، تم اختيار أكبر أربعة أندية في السعودية من حيث الجمهور والألقاب والإمكانات التسويقية - الهلال والنصر من العاصمة الرياض، والاتحاد والأهلي من مدينة جدة الساحلية، بالقرب من مكة المكرمة لتكون رأس حربة البرنامج.كجزء من ثورة الملكية، سينتقل 75% من الأندية إلى ملكية صندوق الاستثمارات العامة و25% من كل نادٍ إلى رجال الأعمال السعوديين، الذين سيتم ااختيارهم في انتخابات ديمقراطية من قبل أعضاء الأندية، وبما يتماشى مع موافقة سلطات اللجنة التنفيذية لرؤية 2030.
ستحصل الأندية الأخرى على اتفاقيات رعاية كبيرة جدًا من الشركات الحكومية السعودية، والتي ستغمر الدوري السعودي باللاعبين المتميزين والمدربين المتميزين الآخرين.
من المهم توضيح أن جزءا من المال مطلوب للوصول إلى إدارات الشباب وتطوير اللاعبين، حيث يتمثل أحد الأهداف في مضاعفة عدد اللاعبين النشطين في الدولة 10 مرات (من 21000 حاليا وفقًا للاتحاد السعودي، إلى أكثر من 200000 حسب الخطة)، والهدف: مضاعفة قيمة الدوري ثلاث مرات إلى حوالي 2.5 مليار دولار، من خلال مزيج من الأرباح التجارية والاستثمارات من القطاع الخاص، وجعل الدوري السعودي أحد أفضل وأقوى 10 بطولات في العالم في غضون سبع سنوات. إذا حكمنا من خلال اللاعبين الذين يوقعون وآخرين يفكرون في الانضمام إلى الحفل، فهناك احتمال أن يحدث ذلك بشكل أسرع.
لكن الأمر ليس مجرد كرة قدم. في نفس اليوم الذي أعلن فيه السعوديون عن الخطة الضخمة لكرة القدم، هز السعوديون أيضا عالم الجولف.
أعلن دوري "بي جي ايه" الأمريكي للغولف اندماجاً مفاجئاً مع دوري "ليف غولف" المموّل من السعودية، بتمويل من صندوق الاستثمارات العامة السعودي المرتبط مباشرة بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مما أدى فعليًا إلى جلب عالم الجولف بأكمله إلى ملكية السعودية.
عند ربط هاتين الخطوتين بشراء نيوكاسل ونجاحه الاحترافي في إنجلترا، باستضافة الفورمولا 1 وعروض المصارعة مثل Crown Jewel وعشرات من بطولات العالم الأخرى في مختلف الرياضات التي أقيمت في السعودية مؤخرا ويتوقع أن تقام هناك في السنوات القادمة، تبدأ الصورة في الاتضاح، ويبدو جليا أن المملكة العربية السعودية اقتحمت المجال بقوة لتبقى وتتصدر.لماذا السعودية؟
هناك أسباب عديدة لدخول السعودية عالم الرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص، بعضها خارجي وبعضها داخلي. ظاهريًا، من الواضح للجميع أن هذا ليس فقط رغبة في تحسين كرة القدم واستضافة كأس العالم.
وبالنسبة للسعودية فان كرة القدم وتعبيراتها هي أيضا أدوات في عملية مصممة لتغيير نظرة الغرب النمطية تجاه المملكة، فبدلا من أن تنظر إليها كدولة محافظة دينيا، ستفكر أيضا في كرة القدم والرياضة والثقافة.
لم يكن عبثا أن دفع بن سلمان بقوة للفوز باستضافة مونديال 2030، وهذا لا يخدم المملكة العربية السعودية فقط ويعززها من حيث البنية التحتية وكرة القدم ومن حيث تأثيرها العالمي في هذه المجالات، لكنها ستشكل أيضًا لحظة ذروة في رؤيته "المملكة 2030"، التي تسعى لتحويل المملكة لدولة رائدة في العالم، تقود الشرق الأوسط المتقدم وتكون مركزا مختلفًا عن أوروبا والولايات المتحدة. لذا فإن كأس العالم 2030 ليس سوى مجرد صورة صغيرة في المخطط الكبير.
لا تهتم رؤية 2030 فقط بما يُعتقد عن المملكة العربية السعودية في الخارج، ولكن أيضًا بما يحدث في الداخل. السعودية دولة شابة جدا، وحوالي 70% من السكان تقل أعمارهم عن 35 عاما، وهذا الاستثمار في الرياضة هو أيضا طريقة الحكومة السعودية للتحدث معهم، وتقريبهم من نجومهم، وإلهامهم، وكذلك تعزيز دور الرياضة في الثقافة المحلية وأسلوب الحياة، وفقا لمكتب الإحصاء السعودي، حوالي 60% من السعوديين يعانون زيادة الوزن، ويريد بن سلمان، تغيير ذلك، وكرة القدم هي أحد المجالات التي يحاول من خلالها القيام بذلك.هل مستقبل كرة القدم في السعودية؟
في مؤسسات الأندية الآسيوية، يمكن أن يضم كل فريق ثلاثة أجانب في الفريق، بالإضافة إلى لاعب أجنبي واحد من دولة آسيوية. في الدوري السعودي، يُسمح حاليا لما يصل إلى ثمانية أجانب باللعب في كل فريق، وهو ما يجعل الأمر برمته مثيرا للاهتمام.
في الأسابيع الأخيرة، كان تدفق ووتيرة الأسماء التي يتم ذكرها كمرشحين للفرق السعودية جنونيا يكاد لا يوجد لاعب في الدوري الأوروبي، أو حتى في الدرجة الثانية أو الثالثة، لم يتم ذكره كمرشح.
بعض هؤلاء اللاعبين وقعوا بالفعل. مثل بنزيمة وكانتي ونيفيز، ووافق حكيم زياش وخاليدو كوليبالي وإدوارد ميندي، ويخوض مارسيلو بروزوفيتش ورياض محرز مفاوضات مكثفة والقائمة تطول. واحد تلو الآخر، أسماء ضخمة، لاعبون بارزون في أوروبا، يشقون طريقهم إلى الشرق الأوسط.
لكن ليس كل شيء يسير بسلاسة تامة، مثال على ذلك النجم الإنجليزي السابق وأسطورة ليفربول المدرب الحالي ستيفن جيرارد، حيث خاص مفاوضات متقدمة مع نادي الاتفاق، وزار النادي بل وقام بجولة في معقله بمدينة الدمام لكنه قال عند عودته إلى إنجلترا أنه يميل إلى رفض العرض. كما رفض كل من ويلفرد زاها لاعب كريستال بالاس، وحارس مرمى إشبيلية المغربي ياسين بونو، وإلكاي غوندوان الذي انتهى عقده مع مانشستر سيتي، العروض السعودية بشكل قاطع، وفوق كل هذا، فإن الرفض الذي "يؤلم" السعوديين حتى الآن هو رفض ليونيل ميسي، أكبر "منافس" لكريستيانو رونالدو. لم يتحقق حلم السعودية بإعادة تشكيل ميسي ضد رونالدو/ في ديربي الرياض بين الهلال والنصر، على الرغم من عرض يقدر بنحو 1.2 مليار يورو لمدة ثلاث سنوات.
على الرغم من أن ميسي رفض العرض الكبير من الهلال واختار إنتر ميامي مع الجالية الأرجنتينية التي تعيش في المدينة، يبدو أن السعوديين يدخلون المرحلة الثانية من خطتهم الرئيسية المصممة للتأثير على كل من البلاد والعالم، انطلاقا من طموح أن تكون بلدهم لاعبا مركزيا في نظام عالمي جديد يتشكل.